كتاب الوان يناير, ألوان يناير
كتاب الوان يناير, ألوان يناير
كتاب الوان يناير, ألوان يناير
ألم أقل لكم!» جملة وقفت خلف كتاب «ألوان يناير» الصادر حديثا عن دار الشروق حسب مقدمة مؤلفه الكاتب الصحفى إبراهيم عيسى، الجملة التى قال عنها إنه لا يحبها لكنه أطلقها لتذكر الشعب المصرى بالتقلبات التى مر بها منذ تنحى مبارك، وكأن عيسى نجا من هذه التقلبات.
فآراء عيسى نفسها تتقلب بين «ألوان يناير» الذى يضم مقالاته منذ اليوم الثانى لتنحى مبارك، إذ تبنّى عيسى وجهة النظر التى سادت بين النخبة بعد التنحى مباشرة من أن «ثورة يناير حطمت أسطورة أن للإخوان تلك الشعبية الكاسحة فى الشارع، وبات واضحا أن الإخوان فصيل سياسى مهم ومنظم ولكنه لا هو الأكبر ولا الأهم ولا الأنجح إطلاقا» حتى إنه فى نهاية مقاله (صناعة الأشباح) انتهى بشكل قاطع «أن الثابت بثورة يناير أن الشعب لا يريدهم ولا يفضلهم ولا يسير وراءهم».
لكن سرعان ما انهارت نظريات عيسى عن الاختيار النزيه والحر للشعب فى مقاله (انتخابات زورها الشعب)، إذ سحب اتهامات كان قد وجهها للواء منصور العيسوى واللواء رفعت قمصان فى مقال سابق بتزوير الانتخابات، وبعد أن التقاهما واطلع منهما على تفاصيل مهامهما، أشفق عيسى على اللواءين قائلا: «أى منافسة على بيع قميص فى الموسكى، تتحول إلى معركة بين التجار يتبادل فيها صبيانهم حمولة صندوق من الرصاص، فما بالك بانتخابات لن تزورها الدولة إنما سيزورها الشعب بعصبيته وجماعاته وعائلاته، وبلطجيته ومسجلى الخطر والمسجلين فى كشوف التصويت».
ويستكمل عيسى فى مقال (استسهال التكفير وإسهال التخوين) سرده للصفات السلبية التى يتسم بها الشعب الذى اتهمه بتزوير الانتخابات، منتقدا نخبة من شيوخ ودعاة وشخصيات رسمية بادئا بـ«شيخ وداعية مفروض أنه تعلم الدين وعلمه، يخطب فى آلاف من مريديه من أعضاء حزب سياسى له مرجعية إسلامية ـ يبدو أنه لا يرجع لها ـ واصفا فريقا سياسيا وفكريا بأنه يحارب الله»، ثم وصف عيسى عددا من الشخصيات الرسمية بـ«منهم وزراء لم يجدوا مشكلة فى أن يتهموا جماعات وجمعيات بأنها حصلت على تمويل إفرنجى وعربى لإثارة الفتنة وبث الفوضى، يعنى عملاء دون مواربة ومأجورين بلا شك».
ورغم إخفاق رؤية الكاتب فى قراءة بعض الأمور، إلا أنه صدق فى مقاله الاستشرافى ( فخ محاكمة مبارك)، «نحن نذهب للفخ بكل ثقة وهو ينتظرنا بكل لهفة»، لأن المحاكمة حسب تحليله، «ورقة فى يد مبارك لبث الفرقة والشقة ومخاطبة المواطن المصرى بالعاطفة، وبالتشكيك فى الثورة ومن وراءها ومن حماها»، فمبارك من وجهة نظر عيسى «متهم لم يعد أمامه أى شىء ليخسره فيدافع عن نفسه باتهام الجميع، من أول الثوار حتى جنرالات الجيش للنجاة أو للتفاوض من أجل التخفيف».
لكن عيسى كان قد حذر فى مطلع كتابه الثوار من الانشغال بشبح أن مبارك لا يزال فى السلطة ويسعى إلى العودة للكرسى مرة أخرى، أو الانشغال بشبح سيطرة الإخوان أو الإسلاميين على الحكم، قائلا فى مقاله (صناعة الأشباح): «لم يعد لهم ـ أى الثوار ـ من همة إلا استكمال إسقاط الدكتاتورية كنظام حكم، ولا تزال أدواته ووسائله كما هى»، ويذكر الثوار بأهم أهداف الثورة وهو «إقامة حياة ديمقراطية سليمة».
انشغل عيسى بالجدل الهائل بين جيلى الثورة الآباء والأبناء فى مقال (ألوان يناير) وهو المقال الذى وفق عيسى فى اختياره كعنوان للكتاب، استشهد فيه بجدل دار بينه وبين أبنائه، لماذا هو يحب الأفلام الأبيض والأسود القديمة، وأبناؤه يفضلون الأفلام الملونة بلون الحياة، مستغلا هذا الجدل ليوضح التباين بين القوى الثورية التى تسعى إلى تغيير جذرى، والقوى الإصلاحية التى ترى أن هناك ألوانا أخرى أكثر تعقيدا، من صراحة الأبيض والأسود، وانتهى إلى أننا «لن نحسم نجاح الثورة فى تحقيق ما بعد أهدافها إلا بحسم معركة الألوان».
وكعادة عيسى يقسو فى نقده على حكومة شرف التى وصف طريقة اختيارها بـ«منهج اختيار الأب الذى يختار عريس ابنته، الطيبة الشرف وحسن السير والسلوك والمنبت الطيب» فى مقاله (الموظفون لا يثورون)، وتوقع عيسى أن يبقى المجلس العسكرى على حكومة شرف لحين الانتخابات الرئاسية، لان المجلس العسكرى «يتمتع بعقيدة بقاء الحال على ما هو عليه، وممن يفضلون التغيير البطىء التدريجى، وممن يرفضون التعديلات الجذرية الشاملة».
حاول عيسى الحفاظ على لغته السخرية التى صارت سمة مميزة لمقالاته النارية، حتى مع تزايد الحزن بين الثوار بزيادة أعداد الشهداء.
فاقتبس عيسى مقدمة «تيتر» فيلم إسماعيل يس فى البوليس للسخرية من العلاقة بين رجل الأمن والشعب، وهو الفيلم الذى تم إنتاجه من شركة «أفلام الاتحاد» عام 1956 ويتصدر مقدمته جملة: «تتقدم شركة أفلام الاتحاد بعظيم الشكر ووافر التقدير إلى السيد وزير الداخلية والسادة القادة وضباط وصف ضباط وعساكر وحدات البوليس المختلفة، الذين لولا تعاونهم السابق واشتراكهم الفعلى فى إنتاج هذا الفيلم لما أمكن إخراجه على الوجه الأكمل، وأفلام الاتحاد ترجو أن تكون قد وفقت من جهتها فى تحقيق هدفها من إنتاج هذا الفيلم، وهو تعريف الناس برجل البوليس، وثقل الأعباء الملقاة على عاتقه، وتعريفهم بأن رجل البوليس بشر مثلهم، يسعد ويشقى مثلهم، يضحك ويبكى مثلهم»، وهى العبارات التى استخدمها الكاتب للتدليل على وجهة نظر، أن شعور الشعب المصرى تجاه الداخلية عام 1956 لم يختلف كثيرا عن شعور المصريين اتجاه نفس المؤسسة عام 2011.
لم يسلم المجلس العسكرى من اللغة اللاذعة لانتقادات عيسى، ففى مقاله (هل يمشى المشير على خطى مبارك؟)، قائلا إن «المجلس العسكرى وحده هو المسئول عما يجرى فى ميدان التحرير.. وهو وحده الذى يتحمل مسئولية فشله فى إدارة البلاد فى المرحلة الانتقالية التى لم ننتقل فيها إلا إلى الانفلات الأمنى والتعثر الاقتصادى والعشوائية السياسية وتفشى الأحزاب الدينية وغياب الإحساس بالأمان والخوف من المجهول»، منهيا إلى أننا «تعلمنا من كل أزمة تفجرت منذ فبراير الماضى ألا نعول كثيرا على ذكاء المجلس السياسى ولا قدرته على اتخاذ القرارات».
موضوع: كتاب الوان يناير, ألوان يناير ابراهيم عيسى 
17/2/2012, 13:47
