كتاب بعد السقوط: نهاية الحلم الأوروبي، وتراجع قارة والتر لاكيور
كتاب بعد السقوط: نهاية الحلم الأوروبي، وتراجع قارة والتر لاكيور
كتاب بعد السقوط: نهاية الحلم الأوروبي، وتراجع قارة والتر لاكيور
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]في كتاب ''بعد السقوط''، يشير والتر لاكيور، المؤرخ، وكاتب المقالات الأمريكي المتميز، إلى خطاب ميليباند بشكل عابر. ويغفل عن ذكر أنه بعد بضعة شهور، رفض ميليباند فرصة إدارة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي لمتابعة طموحاته السياسية المحلية. وذهبت الوظيفة بدلاً من ذلك – لدهشتها الواضحة – إلى الليدي كاثرين أشتون، الرئيسة السابقة لهيئة الصحة في مقاطعة هيرتفوردشاير في جنوب بريطانيا، وعملت لفترة وجيزة كمفوضة التجارة في الاتحاد الأوروبي. ولم تكن لديها تقريباً أية خبرة سابقة في السياسة الخارجية، وسعت جاهدة في وظيفتها منذ اليوم الأول.
كانت هذه الأحداث مؤشراً لمشكلة أوسع نطاقاً. ولم تحلم أنجيلا ميركل، مستشارة ألمانيا، ولا نيكولا ساركوزي، رئيس فرنسا، بمغادرة حلبة السياسة الوطنية الخاصة بهما من أجل وظيفة في أوروبا. وكانت رئاسة المجلس الأوروبي على أساس التفرغ الكامل، والذي يجمع قادة حكومات الاتحاد الأوروبي، منصباً يعتبرانه مناسباً لهيرمان فان رومبي، رئيس الوزراء البلجيكي السابق الكفؤ، ولكن الغامض. ولا يرقى كل هذا الحديث عالي التفكير حول الكيفية التي يجب على الأوروبيين تشكيل مصيرهم في القرن الحادي والعشرين معاً، إلى الكثير حين يجعل القادة السياسيون خياراتهم المهنية التي تؤكد على الطريقة التي ينظرون بها إلى الاتحاد الأوروبي، مسرحاً غير مناسب لمواهبهم.
يعزو المؤمنون المتحمسون لوجود اتحاد أوروبي أسباب أوجه القصور في الاتحاد الأوروبي إلى الأنانية الوطنية المستمرة في البلدان الأعضاء ذات النفوذ. ولكن يقول لاكيور إن السؤال الجوهري الذي يواجه الاتحاد الأوروبي يتعدى نطاق ''ما إذا كانت الوطنية في أوروبا سوف تذوي بشكل كافٍ لجعل أوروبا المتحدة أمراً ممكناً''. لا بل إنه، بالنظر إلى نقاط ضعفها الاقتصادية، والاجتماعية، والسكانية، والعسكرية، ما إذا كانت حتى أوروبا المتحدة ستكون قادرة على لعب دور أكبر بشكل أساسي في الشؤون العالمية، مقارنة بما تفعله في الوقت الحاضر.
في هذا الخصوص، يبدو لاكيور متشككاً. ولكنه ليس متشائماً بالكامل إزاء مستقبل أوروبا. وإذا كان بمقدور قادتها، وشعبها التخلي عن كسلهم، واستجماع الإرادة لإجراء إصلاحات بعيدة الأثر، يمكن أن تظهر نسخة ما من الوحدة الأوروبية من ''شأنها أن تحدث فرقاً بين الانهيار، والهبوط بسلام''.
ما زال لاكيور مؤلفاً منتجاً ومبدعاً في سن 90 عاماً، وكان في السابق أستاذاً في جامعة جورجتاون، وأمضى حياته وهو يفكر في أوروبا. وأما مجالات اختصاصه، فهي ألمانيا وروسيا، ولكنه كتب كذلك كتباً لاقت صدى جيداً حول الشرق الأوسط، والإرهاب الدولي. ويعطي نطاق خبرته إلى كتابه مساهمة مهمة في الجدل بشأن مستقبل أوروبا.
لاكيور على قدر كبير من الحكمة، بحيث لا يقتنع بفكرة أن الصين ستحصل على كل ما تريد بطريقتها الخاصة حسبما يكشف هذا القرن. ويشير في هذا السياق قائلاً: ''إن تاريخ القوى العظمى يعلمنا أن هناك عدداً غير محدود من الاحتمالات حول الكيفية التي يمكن أن تسوء بها الأمور''.
على الرغم من ذلك، لم يعد بمقدور الاتحاد الأوروبي أن يتخيل لنفسه مستقبلاً هنيئاً ككيان مزدهر، في فترة ما بعد الحداثة، ومنزوع السلاح، تتمحور مهامه الرئيسة حول مكافحة تغيرات المناخ، والمساعدة في التقدم الاقتصادي في البلدان النامية، والتبشير بالأخلاقيات في العلاقات الدولية. ويتذكر لاكيور المظاهرات المناهضة لأمريكا التي اندلعت في المدن الأوروبية قبل الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق عام 2003. وكتب دومينيك شتراوس – كان، السياسي الفرنسي الذي ألقي به بعيداً بعد فضيحة جنسية، مقالاً عقيماً في صحيفة لاموند بعد الاحتجاجات التي تم الاحتفاء بها كإشارة على أنها ''أمة ولدت في الشوارع - الأمة الأوروبية''.
يبدو أن الأوروبيين تحديداً عرضة لمثل تلك الغطرسة. ويبدو اسم جاك بوس، وزير خارجية لوكسمبورغ، الاسم الوحيد الذي يظهر في تاريخ الكتب، لأنه في بداية حروب يوغسلافيا في عام 1991، وصف بغرور جهود صنع السلام التي يقوم بها الاتحاد الأوروبي بأنها دليل ''على أن ساعة أوروبا حل فجرها''. وعلى نحو سيئ السمعة، برهن الأوروبيون على أنهم غير قادرين على وقف الحروب، ومنع الإبادات الجماعية مثل مذبحة عام 1995 لمسلمي البوسنة في صربيا.
لاكيور مهتم بالأفكار الكبرى المتعلقة بتراجع أوروبا: الأزمة السكانية التي تلوح في الأفق، والزيادة في الهجرة من غير الأوروبيين، والنمو الضعيف الذي حتى لو لم تكن هناك أزمة في منطقة اليورو، سوف تهدد قدرة أنظمة الرفاه الاجتماعي الممولة من جانب الدول في أوروبا. ويكتب ببصيرة حول المجتمعات المسلمة المتنوعة في أوروبا، ويرفض بشكل مقنع الفكرة المنذرة بالخطر التي أضفت الشعبية عليها المؤلفة الإيطالية الراحلة، أوريانا فالاسي، بأن الهجرة المسلمة سوف تحول القارة إلى ''أوروبا عربية'' بائسة إلى حد ما.
ليس من المؤكد على الإطلاق، باعتقاد لاكيور، أن الأجيال المسلمة المستقبلية سوف تقاوم الاندماج في المجتمعات الأوروبية. وبدلاً من ذلك، حسبما يقول، ''لن تكون الحرب الثقافية المقبلة بين المؤمنين (المسلمين) والملحدين، ولكن ضمن معسكر المؤمنين أنفسهم، حيث لن يتقدم اضمحلال المعتقد الديني بتحدٍ علني إلى حد كبير، وإنما خلسة''.
على الرغم من ذلك، يستشرف لاكيور صداماً محتملاً بين الأجيال، حين يحكم على الأوروبيين الشباب، الذين يفوقهم المسنون عدداً بشكل متزايد، بالمزيد من تكلفة التعليم، والمزيد من عدم الاستقرار الوظيفي، ورواتب تقاعدية أقل سخاءً. ويتوقع بكآبة قائلاً: ''يمكن أن يؤدي حرمان المواطنين من خدمات كانت تؤخذ أمراً مسلماً به إلى زلزال سياسي عاجلاً أم آجلاً، وحتى أن أوروبا التي تغرق في سبات عميق، يمكن أن تشهد عنفاً. ولا يمكن لأحد أن يتوقع الشكل الذي سوف تتخذه الاحتجاجات – ربما رد فعل شعبوي يمكن أن يتحول باتجاه اليسار، أو باتجاه اليمين الاستبدادي، ويمكن أن يشهد ذلك نهاية الأحزاب السياسية، والنظام البرلماني الذي عرفته أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية''.