كتاب الفتنة الصغرى , الفتنة الصغرى محمد بغداد
كتاب الفتنة الصغرى , الفتنة الصغرى محمد بغداد
كتاب الفتنة الصغرى , الفتنة الصغرى محمد بغداد
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]يقدّر الباحث الجزائري "محمد بغداد" إنّ العرب ماضون نحو الإفلاس، ويلفت بغداد في كتابه "الفتنة الصغرى الفتوى الفقهية في زمن الثورات العربية" الصادر حديثا بالجزائر، إلى أنّ صراع النخب الدينية ونظيراتها العلمانية سيزيد الاحتقان في المنطقة سيما مع تغييب الحوار، وعدم تحقيق الثورات العربية لأهدافها.
تعرّض كتاب "الفتنة الصغرى الفتوى الفقهية في زمن الثورات العربية" (285 صفحة)، إلى منشئيات ما يسمى بـ(الربيع العربي)، وربطها رأسا بالتعاطي الحاصل مع هذا (الربيع) واحتدام الصراع بين النخب الثقافية والدينية العربية.
في تصريحات خاصة بــإيلاف، ذهب بغداد إلى أنّ الصراع المذكور آخذ في الاتساع وسط تحولات الثورات العربية التي تزحف من بلد إلى أخر، وكلما انتهى في موقع إلا وترك خلفه ركاما رهيبا من التداعيات والتحديات لم يكن في الحسبان.
سجّل بغداد إنّ الثورات العربية اندلعت على غفلة من النخب، دون أن يكون لأحد استعداد أو توقع لقيامها، بعدما يئست كل التيارات والنخب من شيئ اسمه إرادة المواطن العربي، الذي تمكنت منه الأنظمة السياسية، ودمرت كل شيئ فيه بداية من لقمة العيش مرورا بالتجهيل وصولا إلى تجريده من الكرامة الإنسانية، وهو الأمر الذي قسّم النخب العربية إلى جبهتين:
الأولى نخب علمانية احتمت بالأنظمة وعاشت في أجواء خطاب الغرب وصدّقت سطوته، وانتظرت وعوده بالتدخل لكبح عربدة الأنظمة، والقضاء على خصومها، وبالرغم من تنوعها بين اليساري والليبرالي، إلا أنها لم تتفطن إلى التآكل الرهيب الذي كان ينهش جسدها الداخلي ويفقدها سمعتها في الميدان.
الثانية نخب دينية بقيت متمسكة بخطابها، وسعت إلى القيام بعمليات التحيين واستغلت الظروف المأساوية والإمكانيات التكنولوجية، إلا أنها لم تفقد الأمل نهائيا في المواطن وسارت بالاتجاه الذي تلبي فيه بعض حاجاته، وبالتحديد الاجتماعي والنفسي، مما جعلها تمسك بخيوط اللعبة الميدانية، بالرغم من الضربات القوية والمؤلمة التي تلقتها عسكريا وأمنيا من الأنظمة، بتشجيع الغرب ومساندته، زيادة على حملات التشويه التي مارستها النخب العلمانية عليها.
في خضم هذه السنوات العجاف، يوقن بغداد بأنّ الطرفين ضيّعا الكثير من الوقت والفرص، فبدل أن يكون هناك فضاء للحوار والجدل، حلّ محله التشكيك والاستقواء وارتفعت حدة الصراع والخصام، وهو ما أضاف المزيد من الاحتقان إلى المشهد الذي استثمرت فيه الأنظمة، وعاشت منه لسنوات مستغفلة الطرفين وفارضة عليهم منطق القوي، الذي يتحكم في الجميع، من خلال ضعف كل جهة، فقد ساهمت هذه النخب في تمديد عمر الأنظمة، ودفعتها إلى المزيد من التغوّل والاستبداد.
المشكلة تكمن برأي الباحث في النتائج الأولية التي أفرزتها الثورات العربية، وبالذات اكتساح نخب الدين للبرلمانات، بفضل الديمقراطية الغربية مما أقض مضاجع النخب العلمانية، وجعلها تشن حملات واسعة للتشويه والتشكيك والتبشير بالفشل والدمار، إلاّ أنّ الرسائل التي تلقتها من الغرب لم تسعفها، مما جعلها اليوم تعلن، بأنّ هناك تحالفا قد نسجت خيوطه بين الإسلاميين والغرب، من أجل إدارة المنطقة.
ووسط الانقسام الحاصل، لاحظ الكاتب أنّ هذا الصراع ناجم في أساسياته إلى نسق ثقافي قائم يرتسم في الخطاب الذي تحمله النخب، فالنخب الدينية تبشر بخطاب مفاده أن الله تعالى هو من أوصلهم للحكم، وهو من أذلّ خصومهم من الأنظمة والعلمانيين لأنّ أولئك ينادون بإبعاد الدين عن السياسة، وهو الأمر الذي فصّل الكتاب في أدلته من داخل هذا الخطاب، ولحد الآن – يضيف بغداد – تجتر نخب الدين خطابها المتغني بالإرادة الإلهية وقوتها في إدارة العالم، وأنّ التاريخ تسيره القوة الغيبية وليس إرادة الإنسان.
في الجهة المقابلة يلاحظ المؤلف إنّ النخب العلمانية تصر على ضرورة السعي إلى الإطاحة بغريمتها الدينية، كونها استغلت بحسبها، الشعوب المقهورة من خلال البشارة الدينية، وأنّ الجهد سيكون في المستقبل مُنصبًا على مواجهة دامية بينهم وبين الإسلاميين، ونجد الكثير من الأصوات العلمانية اليوم تجتهد في تنبيه الغرب، وبالذات أمريكا إلى الخطأ الكبير الذي ترتكبه بتحالفها مع التيارات الإسلامية وأنّ العلمانيين هم الأقدر الذين يتم التعويل عليهم في هذه المهمة.
ويحيل بغداد إلى أنّ الخطاب الذي يُسوّق في الجملة، جازم بأنّ التاريخ تصنعه القوة (الغيبية أو المادية) وينسى الجميع بأننا الأمة الوحيدة، التي تستحوذ على التخلّف وأننا الوحيدون الذي نعيش خارج التاريخ، وأنّ الأرقام القياسية في عالم الانحطاط نستحوذ عليها نحن، وأننا الأمة الوحيدة التي تحركها الأمزجة والنزوات الشخصية، وتحرم من الدراسات والأبحاث والخبراء.
أبرز الكاتب تناسي الجميع بأنّ المشهد الثقافي والسياسي العربي متخاصم ومتضاد، فلا وجود لتفاعل حقيقي، ولا تعايش فكري ولا فضاء إبداعي، الكل يسعى وراء قراءات متخلفة وبعيدة عن الواقع، والذوق الطبيعي، والمنطق العلمي، والغريب في الأمر أنّ لا أحد يستشعر الاقتراب من الكارثة والزوال من الوجود.
لذا فإنّ المؤشرات القائمة بمنظور بغداد، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، بأنّ الوطن العربي يتجه إلى محطة يفقد فيها كل شيئ فالثقافة السياسية الذكية والمتحضرة، تتقلص يوميا والإبداع السياسي يتناقص أو يقمع، تحت وطأة التدمير الذاتي، وما زالت القوى التقليدية من حيث العمر والأفكار، تتحكم في دواليب الحياة، والحرية تتضاءل والكرامة في زوال، لأنّ التعليم منهار والعمل مفقود والخدمات العادية منعدمة، وأغلب سكان الوطن العربي يعيشون تحت خط الفقر، ولا توجد مؤشرات توحي باقتراب الفرج، والثورات التي اندلعت لم تبلغ أهدافها وهي اليوم تجد نفسها محاصرة بالنخب التي تريد استغلالها والغرب الساعي إلى توظيفها.
بغداد الذي تحفظ بشأن تسمية (الربيع العربي) بمبرر أنّ الأخير لا يزال محل جدل معرفي واصطلاحي، يرى إنّ الوجه الجديد الذي أظهره الإسلاميون، من خلال قبولهم أولا بالديمقراطية كأداة للعملية السياسية، وتخلصهم من تأثير التيارات الجهادية، فتح الأبواب على مصراعيها لمزيد من حلقات الصراع، فبدل أن يعتمدوا الحوار والاعتراف بالأخر، نجدهم يمارسون سلوك المنتصر الذي يتلذذ بتعذيب خصومه، مما يجعلهم يفقدون الكثير من الأوراق الرابحة في بداية العهد الجديد، في الوقت الذي نجد فيه النخب العلمانية تستعد لخوض غمار معركة قادمة، يكون توقيتها عندما يفشل هؤلاء في إدارة الحكم ويستغلون الأخطاء التي سيرتكبونها، بالسعي إلى قطع علاقة التحالف بين الإسلاميين والغرب.
إلى ذلك، ارتأى الكاتب محمد بغداد وضع ظاهرة الفتوى الفقهية التي (صا...حبت) الثورات العربية تحت المجهر، حيث استعرض الفتاوى التي هيمنت على انتفاضات التغيير، وأبرز انشطارها إلى نوعين: الأول وقف مساندا وداعما ومحرضا على الانخراط في الثورات، ويتعلق الأمر بفتاوى رأت في التثوير واجبا دينيا يتعين على المسلمين أدائه، وسيؤجر عليه، مسوّغة المسألة بانحراف الحكّام المغضوب عليهم عن جادة الصواب.
بينما اختارت فتاوى النوع الثاني نمط التحريم ولم تستثن في ذلك الاعتصام والتظاهر، متكئة على أنّ الإسلام دين يحظر الخروج عن النظم القائمة حتى وإن بلغت من الجور مبلغا، وجعلت هذه الفتاوى من عرّابيها نجوما في السماء العربية كل على طريقته، على منوال يوسف القرضاوي، عائض القرني، علي جمعة، أحمد حسون، عصام البشير، حاكم المطيري، محمد سعيد البوطي، عبد العزيز آل الشيخ، علي فركوس، وغيرها.
وبحسب الأكاديمي المتخصص "بومدين بوزيد" فإنّ الكتاب شرّح ما سماه "فقه السياسة والجسد الافتراضي" عبر إعادته استقراء الموروث الفقهي الإسلامي من زاوية ميدانية توقفت عند تصادم المقدس المتوارث بالواقع القائم والمتغير، وهو ما جعل الكتاب أقرب إلى "المغامرة" على حد وصف بومدين.